ولد في السنة الأولي من القرن العشرين من أسرة ريفية فقيرة, وعاني اليتم بعد رحيل والديه وهو في الخامسة من عمره, فاضطر أن يعمل أجيرا في الحقول. وعندما ضاقت به الدنيا سافر إلي القاهرة.
كان استقبال القاهرة له قاسيا متجهما لا يمنح إلا الجوع والتعب والشعور بالغربة والضياع, فسافر إلي بورسعيد وهناك عمل ساعيا في شركة أجنبية لتجارة الغلال. وقد انضجته التجارب المريرة فثابر حتي تعلم القراءة والكتابة, وحفظ القرآن الكريم كاملا, ثم تعلم اللغات الأجنبية الانجليزية والفرنسية واليونانية والايطالية والارمينية.
فهو نموذج إذن لطراز فريد للتثقيف الذاتي, بالكفاءة يرتقي الساعي البسيط إلي منصب وكيل الشركة, ثم يعمل مستقلا في الاستيراد والتصدير واستصلاح الأراضي وتشييد المصانع المنتجة, فأصبح سيد جلال بعد سنوات من أغني الأغنياء, هو معجزة بشرية ونجاح مستحق يتوج رحلة العمل الشاق والكفاح الجاد, واسم يصلح لتجسيد أفضل قيمة في الحياة الإنسانية, قيمة العمل.
تقدم حياة سيد جلال دروسا بليغة عن الإنسان المكافح الذي يعتز ببدايته ولايتنكر لها فهو يراها صفحات تستدعي الفخر والمباهاة ولا يفعل ما يمارسه المدعون إذ يصنعون لأنفسهم تاريخا مزيفا وكأنهم يتبرأون من ماضيهم الفقير البسيط.
في عام1957 تبنت جريدة أخبار اليوم مشروعا لتشجيع الأفكار الايجابية التي يقدمها الشباب الطموح وخصصت مبلغ ألف جنيه لكل صاحب فكرة قابلة للتنفيذ, وقد أرسل الاقتصادي العصامي للأستاذ علي أمين رسالة يحيي فيها الفكرة ويشارك فيها, فقد كان حريصا علي فتح أبواب الرزق والعمل أمام الشباب المكافح الجاد, كما كان يؤمن بأن كل عمل ناجح يبدأ بفكرة نظرية, فإذا وجدت الرعاية والتشجيع لابد أنها ستؤتي ثمارها.
فارق الدنيا في يناير1987, فهو شيخ البرلمانيين والاقتصادي العصامي الذي صعد إلي القمة بجهده وعرقه والأب الروحي لحي باب الشعرية الشعبي العريق, رجل وطني شجاع لا يحمل حقدا أو ضغينة, ويتفاني في خدمة البسطاء.