رغم أنه كان طبيباً مشهوراً وسط أبناء جلدته إلا أنه آثر أن تكون عيادته في منطقة صناعية حتى يكون بين البسطاء من العمال الذين لا يستطيعون دفع تكلفة العلاج. كان طبيباً مشهوراً فقد عرفه معظم أبناء جلدته ورغم شهرته إلا أنه آثر أن تكون عيادته في إحدى المناطق الصناعية وسط العمال، وعندما كان البعض يسأله عن سبب اختياره لعيادته في مكان بعيد وفي منطقة صناعية وسط العمال، كان يقول بأنه يريد أن يكون بين البسطاء من الناس والعمال الذين لا يستطيعون دفع تكلفة العلاج.
كان جميع أبناء بلاده يقدرون له هذه التضحية خاصة وأنه عندما كان يكشف على أحد من العمال كان يتقاضى «5» دولارات فقط والعامل الذي لا يستطيع دفع هذا المبلغ كان يكشف عليه بنصف السعر ويبقى النصف الآخر حتى تتوفر لدى العامل الفلوس ليدفعها له.
الانتقال إلى وسط المدينة
كان الطبيب يعيش وسط العمال في عيادته، لكنه فكر في أن ينتقل إلى وسط المدينة، في حين تبقى عيادته التي فيها صيدليته في تلك المنطقة الصناعية وسط الناس البسطاء الذين لا يملكون المال الكافي للذهاب إلى المستشفيات أو العيادات المعروفة. مرت الأيام وأصبح اسم الطبيب يتردد على كل لسان بسبب بساطته وتعامله مع المراجعين من العمال البسطاء وعدم رفع قيمة الكشف.
في الوقت ذاته كان الطبيب يجني الكثير من المال، صحيح أن قيمة كشفه بسيطة لا تتجاوز الدولارات الخمسة إلا أنه لا يصرف وصفة طبية لأي مريض بل يبيعه دواء من صيدليته، وبالطبع فقد كان ثمن الدواء في كثير من الأحيان يزيد عن سعر وقيمة الكشف.
كتب الطبيب على باب شقته التي في وسط المدينة اسمه ومهنته وتخصصه، ورغم أن الكثير من أبناء بلاده يسكنون تلك المنطقة وكانوا يأتون إلى شقته للكشف عليهم، إلا أنه كان يعتذر باعتبار أن شقته لراحته ولسكنه فليس من المعقول أن يلاحقه المرضى حتى في شقته الخاصة.
في إحدى الليالي شعرت إحدى جارات الطبيب بآلام حادة في معدتها فهرع زوجها إلى الطبيب يطلب مساعدته تردد الطبيب في الذهاب لكن الرجل وضع أمامه رزمة من النقود قائلاً له خذ ما تشاء المهم أن تأتي وتنقذ زوجتي، ذهب الطبيب إلى السيدة التي كانت تتلوى من الألم في سريرها وعندما وضع يده على بطنها وجدها صلبة فقال للرجل اطمئن زوجتك ليس بها شيء، فقط هي تعاني من إمساك شديد ولا تحتاج لأكثر من الذهاب إلى الحمام.
ولما طلب منه زوج السيدة أن يعطيها دواء قال الطبيب إنها بحاجة إلى حقنة شرجية وهذه الحقنة متوفرة في المستشفيات فقط، ولكن يمكنها أن تأخذ بعض الأعشاب المسهلة. كان الطبيب رائعاً في تصرفه مع السيدة وزوجها، حيث رفض أخذ حتى الكشف واكتفى بفنجان القهوة وانصرف إلى شقته.
كانت هذه الحادثة أهم شيء في حياته فقد قلبتها رأساً على عقب حيث قامت السيدة بعمل دعاية مجانية للطبيب ورفعته إلى السماء فانتشر صيته في المنطقة كلها وبدأت شقته تتحول إلى عيادة ثانية حتى أنه يكاد ينسى أن له عيادة أخرى في المنطقة الصناعية.
بدأ الطبيب يستقبل المرضى في شقته فوجد بأن هؤلاء المرضى أكثر رُقياً من العمال، كما أنهم يدفعون له أكثر ففكر أن يغلق عيادته في المنطقة الصناعية ويتفرغ إلى شقته التي تحولت إلى عيادة وسط المدينة، لكن بعض الأصدقاء أقنعوه بان يبقى على عيادة المنطقة الصناعية من أجل العمال البسطاء المعذبين.
وافق الطبيب على ذلك لكنه بدأ يتذمر كما بدأ يتأخر عن موعد قدومه للعيادة فينتظره العمال في خط طويل فمنهم من يريد أن يتعالج ومنهم من يريد شراء الدواء. وعلى ما يبدو أن المثل القائل الفلوس تغير النفوس قد انطبق على الطبيب فقد تغيرت معاملته لزبائنه حيث رفع قيمة الكشف إلى «15» دولاراً كما أنه أصبح لا يستقبل إلا العامل الذي معه قيمة الكشف أما الذي لا يملك فلا مكان له كما أنه بدأ يرفض إعطاء الدواء إلاّ بعد دفع قيمته مقدماً.
رغم أن هذه التغيرات أثارت حفيظة البعض إلا أن البعض الآخر أوجد له المبرر، فهو طبيب ويحتاج إلى المال لدفع إيجار شقته وسط المدينة وعيادته في المنطقة الصناعية رغم أنه لم يكتب عليها عيادة بل هي في الأصل غرفة في سكن ضمن سكن العمال، إلا أنه مع ذلك يدفع إيجار تلك الغرفة.
التفكير في الاستقرار
بدأ الطبيب يفكر بالاستقرار والزواج، والذي دفعه إلى هذه الفكرة هو أن سيدة جاءته مع ابنتها للكشف على الفتاة، وما كادت الفتاة تدخل باب شقته حتى أحس نحوها بحب جارف لذا قرر أن يوطد علاقته مع والد الفتاة حتى يصل إلى الفتاة ويتزوجها. كان الطبيب حريصاً على أن يأخذ رقم هاتف الفتاة حتى يطمئن عليها، وفعلاً بدأ يتصل بها كل يوم حتى بدأت تستجيب له ونشأت بينهما قصة حب أقوى من تلك التي نراها في الأفلام.
بدأت الفتاة تستحوذ على وقت الطبيب ولم يعد يذهب إلى العيادة الثانية في المنطقة الصناعية، في أحد الأيام جاءه صديق وعاتبه على هذا التقصير في حق العمال، لكن الطبيب أخبر صديقه بأنه لا يريد تلك الغرفة المسماة عيادة في المنطقة الصناعية، وأنه لن يعود إليها أبداً فقد بدأت الأمور تستقر معه وسيحول شقته إلى عيادة، فكيف يستبدل زبائنه من الفتيات والجنس اللطيف ويعود إلى العمال ومشاكلهم.
لكن الصديق طلب منه أن يعود إلى «غرفته العيادة» فقد كان يكسب من هذه العيادة الكثير وذلك لأن عدد العمال الذين كانوا يترددون عليها كان كبيراً. رفض الطبيب نصيحة صديقه الذي خرج غاضباً من شقة الطبيب، ومما زاد من غضب الصديق أن الطبيب أخبره بأنه ينوي الزواج من فتاة يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها، حاول الصديق ثنيه عن ذلك إلا أن الطبيب كان مصراً على رأيه فهو لم يعد يتخيل حياته بدون تلك الفتاة.
طعنه في البطن
في أحد الأيام جاءت الفتاة تزور حبيبها الطبيب، حيث تفاجأت بأن باب الشقة مفتوحاً، وعندما دخلت الشقة فوجئت بأن كل شيء فيها مقلوب رأساً على عقب، وأن الطبيب متكور على سريره لا يقوى على الحراك.
فوجئت الفتاة بأن الطبيب مطعون في بطنه بسكين وأن درجة حرارته عالية جداً وأن شرشف السرير مغطى بالدماء. حاولت الفتاة أن تعرف شيئاً لكن الطبيب أخبرها بأنه سيكون على ما يرام وطلب منها أن لا تخبر أحداً بالحادث حتى لا يكون ذلك سبباً في ترك الزبائن له.
طلبت الفتاة من الطبيب أن يتصل بالشرطة لكنه أخبرها بأن ذلك سيتبعه تحقيق ومحاكم وهذا سيعطله عن عمله، لكنه طلب منها أن تأخذه إلى الحمام كي يغسل الجرح دخلت الفتاة مع الطبيب وبدأت تغسل له جسمه
بعد ساعات عدة رجعت الفتاة إلى الطبيب فوجدته في حالة سيئة ويهذي من الحرارة المرتفعة فما كان منها إلا أن اتصلت بأحد المستشفيات حيث حضر عدد من الممرضين ونقلوه بسيارة الإسعاف إلى المستشفى.
دخل الطبيب في غيبوبة استدعت بقاءه في غرفة الإنعاش أكثر من «48» ساعة، وعندما أفاق من غيبوبته كانت الفتاة تجلس إلى جانبه، نظر الطبيب حوله فكاد يجن من هول المفاجأة وبدأ يصرخ بأعلى صوته سائلاً من أحضره إلى هنا فقالت له الفتاة بأنها هي التي فعلت ذلك لأنه كان في حالة غيبوبة وكانت تخشى عليه من الموت.
كان المستشفى أبلغ الشرطة عن المريض، لذا ما كاد الطبيب يفيق من غيبوبته حتى جاء الضابط ليحقق معه عن الشخص الذي ضربه لكن الطبيب قال بأنه لا يتهم أحداً، بدأ الضابط يسأل الطبيب عن أوصاف الجاني، لكن الطبيب قال بأنه لا يتذكره وعندما سأله الضابط عن عمله قال بأنه طبيب، وعندما طلب منه الضابط أن يعطيه مفتاح الشقة لمعاينة مكان الجريمة. حيث أفاد الطبيب بأن الفاعل هاجمه في شقته.
قال الطبيب بأنه متنازل عن حقه ولا يريد مشاكل إلا أن الضابط أخبره بأنه يمكنه التنازل عن حقه في المحكمة، أما الحق العام فلا يستطيع أحد التنازل عنه وأن التحقيق يجب أن يأخذ مجراه. استمر الضابط في أخذ المعلومات لكنه لاحظ تناقضاً في أقوال الطبيب، لذا طلب منه أحد أفراد الشرطة الجلوس أمام الغرفة التي يقيم فيها الطبيب وعدم السماح له بالمغادرة، في الوقت الذي قام به الضابط وأفراد المختبر الجنائي بمعاينة الشقة حيث تبين من النظرة الأولى بأن الجاني قام بتفتيش الشقة بشكل بدقيق، وأنه على ما يبدو كان يبحث عن شيء معين، وقد يكون الهدف من وراء ذلك السرقة.
عاد الضابط إلى غرفة الطبيب حيث أخبره الشرطي الذي كان على باب الغرفة بأن الطبيب حاول الفرار أكثر من مرة، هنا أحس الضابط بأن وراء الطبيب قصة غريبة لذا بدأ يستجوب الطبيب من جديد لمعرفة الحقيقة.
حاول الطبيب أن يتهرب كالعادة لكن الضابط أخبره بأنه إذا لم يقل الحقيقة فإنه سيتهمه بأنه عضو في عصابة لتهريب المخدرات، وأن العصابة حاولت قلته لأنه استولى على كمية من المخدرات لبيعها لحسابه الخاص.
الاعتراف
أحس الطبيب بأنه لا داعي لإخفاء الحقيقة فقد يكون الاعتراف بها أقل ضرراً من تهمة المخدرات، لذا بدأ يعترف ويقول للضابط، كنت أعمل فراشاً (أوفس بوي) في إحدى العيادات الخاصة، وصدف أن الممرض الذي كان يساعد الطبيب في تلك العيادة سافر إلى بلاده فطلب مني الطبيب أن أقوم بإحضار بعض الأدوات الطبية وأن أحضر غرفة الكشف، وهكذا حتى أصبحت عندي فكرة عن معاينة المريض.
وأضاف في يوم أخبرني الطبيب بأنه سيغلق العيادة لأنه سيهاجر إلى دولة أوروبية فضاقت الدنيا في وجهي وعندما لم أجد مكاناً أذهب إليه ذهبت إلى صديق لي في المنطقة الصناعية فعرف بقصتي، وطلب مني أن أسكن معه حتى أجد عملاً، وفي هذه الأثناء كان الكثير من العمال يصابون بجروح بين الخفيفة والمتوسطة وكنت أقوم بتضميد جراحهم، وهنا قفزت إلى رأس صديقي فكرة أن أدعي بأنني طبيب، ولأن العمال بسطاء فلن يدققوا في الأمر، وقام صديقي بعمل دعاية لي بين العمال، مقابل أن يأخذ هو نصف ما أتقاضاه عن كل كشف.
أما بالنسبة للدواء فقد كنت أشتري من الصيدلية حبوباً لآلام الرأس وأقوم بسحقها وإضافة بعض الماء إليها كما كنت أستخدم الأعشاب المسحوقة بكثرة، وهكذا. وقال: كانت الأمور تسير بشكل جيد حتى تعرفت إلى تلك الفتاة عندها حاولت أن أجمع أكبر قدر من المال للزواج منها، لكن صديقي هددني بأنه سيكشف سري إذا لم أعطه نصف المال الذي أجنيه، لذا قررت عدم الذهاب إلى الغرفة في المنطقة الصناعية التي كنت أتخذها عيادة، وهنا جن جنون صد يقي لأنه بدأ يخسر ما كان يكسبه من وراء عملي.
وفي تلك الليلة حضر صديقي إلى شقتي وطالبني بنصف ما أملك فرفضت أن أعطيه شيئاً لأنني كنت أجمع المال حتى أتزوج الفتاة التي أحبها. عندها أخرج سكيناً من تحت ملابسه وطعنني بها، وبدأت أنزف في الوقت الذي أخذ فيه يعبث بكل شيء في الشقة أملاً في أن يجد شيئاً يسرقه.
وأضاف بالطبع تحملت آلاماً لا تطاق ولم أرغب في الذهاب إلى المستشفى خشية أن يكشف أمري. تمت إحالة الطبيب الفراش إلى السجن تمهيداً لإحالته إلى المحكمة، ولكن قبل أن يُحال إلى المحكمة جاء والد الفتاة التي يحبها الطبيب ليقدم شكوى إلى الشرطة متهماً إياه باغتصاب ابنته.
تمت إعادة استجواب الطبيب الذي قال بأنه لم يغتصب الفتاة و لكن كان يريد يضمن أن يتزوجها في حالة انكشاف أمره، فالفتاة كانت ترغب بالزواج منه لأنه طبيب ولكن بعد انكشاف أمره فإنها سترفض هي وأسرتها هذا الزواج، مشيراً إلى أن أمها كانت تبارك حبه لابنتها.
أمر الضابط بإعادته إلى السجن وإضافة تهمة جديدة إلى التهمة الأولى. نظر الطبيب الفراش إلى مصدر الصوت الذي جاءه من غرفة مجاورة لغرفة الضابط الذي كان يستجوبه حيث كان أحد أفراد الشرطة يمسك برجل وفي يده القيد. وقال للطبيب الفراش أهذا صديقك الذي طعنك بالسكين، لكن الطبيب الفراش لم يرد على الشرطي بل وجه كلامه إلى صديقه قائلاً أنت السبب فيما نحن فيه، فرد عليه الآخر: بل طمعك هو السبب.