اهتمام النساء المسلمات بارتداء القلادات الذهبية المنقوش عليها آيات قرآنية أو تلك المصاحف الصغيرة الذهبية التي تتدلى من صدورهن، يرجع إلى إيمان كامن في دواخل كل مسلم ومسلمة، والذين تجدهم بقدر ما قد يقصرون في واجباتهم الدينية إلا أن كلام الله العلي القدير وسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أمر مقدس في قلبهم رجالا ونساء..
ولكن مجتمع النساء المسلمات تلقى مؤخرًا فتوى من الأزهر الشريف تحرم طبع مثل هذه المصاحف والقلادات المتناهية في الصغر، وكذلك منع دخولها من الخارج، خاصة أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وهو المعني بمراجعة المصحف والتصريح بطبعه أصدر بيانا أشار فيه إلى أن القرآن لم ينزل ليوضع على صدور النساء، أو تحت الوسائد.
ومع صدور هذا البيان اختلف بعض العلماء واتفق الآخرون معه مما أوقع أغلب النساء في حيرة شديدة، حيث أفتى أغلب العلماء بأنه أمر مكروه، لما تواجهه المرأة في أغلب الأوقات من حالات تفرض عليها النجاسة مثل الجماع والحيض أو دخول المرحاض وهي كلها حالات تخص المرأة، وبالرغم من أن الذين أجازوا استخداممثل هذه القلادات حذروا من الدخول بها إلى المرحاض أو أثناء الحيض، إلا أن رد الآخرين جاء استنادًا إلى طبيعة البشر «جل من لا يسهوا» وهناك علماء أرجعوا تحريمهم لهذه القلادات إلى أسباب أخرى، إضافة إلى ما طرحه البعض.
والأمر عندما يتعلق بالتحليل والتحريم لابد أن يثير الاهتمام، ويقود الجميع إلى البحث في مثل هذه القضايا من خلال علماء وفقهاء مؤثرين نترك لهم المساحة التالية ليدلوا بدلوهم في الموضوع.. من بين هؤلاء الدكتور عمر مختار - أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة الذي يرى أن أفعال وتصرفات البشر تقاس بمقاصد الشريعة الإسلامية لقول الله تعالى في كتابه العزيز «إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون»؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات»، وبناء عليه فإن المصحف المكتوب إذا كان من طبيعته ألا يستعمل في القراءة فتكره كتابته كذلك المصاحف التي توضع في السيارات وفي المكتبات وهي لا تقرأ.
ويضيف مختار أن كتابة المصحف بخط صغير ليست محرمة، ولكنها مكروهة لعدم التمكن من قراءة كلمات القرآن المكتوبة بسهولة؛ لكن إن كان يقصد من هذه الكتابة التوثيق فتكون في هذه الحالة جائزة. أما عن كتابة المصحف كاملاً لتقوم بعض السيدات بتعليقه في رقبتها للتبرك به فهذا العمل يعد من وجهة نظر الشريعة الإسلامية مكروها، أما إذا كانت هناك بعض الآيات مكتوبة على قطعة من الحلي أو غيرها وتقوم السيدات بتعليقها في رقبتها فهذا جائز لأن النظر في آية أو آيتين مكتوبتين قد تذكر الإنسان أثناء النظر إليها وقراءتها بكلام الله سبحانه وتعالى، ولكنه أكد في الوقت نفسه عدم جواز ارتداء السيدات للحلي وأدوات الزينة المكتوب عليها شيء من القرآن الكريم في حالة دخولها الحمام أو في وقت تكون فيه المرأة في وضع نجاسة.
تصرفات غير مقبولة
وفي رأي مخالف يقول الدكتور أحمد السايح - أستاذ العقيدة ومقارنة الأديان إن الفقهاء والعلماء أجازوا كتابة آيات من القرآن الكريم أو المصحف كله بماء الذهب والفضة وغير ذلك؛ مما يعتبر أساسا للجواهر الثمينة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ذكرت كتب الفقه الإسلامي والتفسير والعلم أن المصحف أو آيات من القرآن الكريم إذا كانت مكتوبة في خاتم تلبسه المرأة أو معلق في رقبتها يجوز لها أن تدخل به أي مكان تريده لأنه في هذه الحالة محفوظ ومصون.
وعلى حد رأي أستاذ العقيدة ومقارنة الأديان فإن الأمة الإسلامية مشغولة بأمور كثيرة لذلك لا ينبغي على العلماء أن يكثروا الأثقال والهموم عليها بمنع هذا أو ذاك، لأن هذه تصرفات غير مقبولة ومنافية للتعاليم الإسلامية.
مس القرآن
من جهته أكد الدكتور عبد الفتاح إدريس - رئيس قسم الفقه المقارن أن كتابة آية من القرآن على قطعة من المعادن النفيسة مثل كتابة القرآن كله فكلاهما له نفس الحكم، وهذا جائز ولا شيء فيه سواء كان الخط كبيرًا أم صغيرًا، المهم لا يخرج عن الطريقة المعروضة في كتابة المصحف.
إن المشكلة، كما يقول إدريس، تكمن في تحريم مس القرآن الكريم أو بعض آياته على المرأة الحائض أو النفساء أو عندما تدخل الحمام فإذا ما كانت المرأة ترتدي قلادة ذهبية مثلاً ومدون عليها شيء من القرآن الكريم وهي في حالة من الحالات السابقة فهذا يعد إهانة للقرآن الكريم، أما إذا كانت ترتديها في الحياة العادية، ولم تدخل بها إلى الحمامات أو ترتديها في حالة الحيض فلو استطاعت قدر الإمكان أن تحافظ على عدم ارتدائها لشيء يحمل آية قرآنية يكون جميلا لأنها تنزه القرآن الكريم.
إلى هنا يعتبر الدكتور محمد النواهضي - أستاذ كلية أصول الدين بجامعة الأزهر كتابة القرآن بخط صغير أو غير مقروء ليتم تعليقه في رقاب السيدات لاتخاذه للزينة أو الحلي يعتبره أمرا غير جائز، مؤكدا أن صيانة القرآن وتقديسه واجب على كل المسلمين، وبالتالي فلا ينبغي الاستهانة بالقرآن بكتابته بخطوط صغيرة غير مقروءة على قطع من الذهب أو الأحجار الكريمة لتقوم بعض السيدات بتعليقه في رقابهن والدخول به إلى الخلاء أو ارتدائه أثناء فترة الحيض أو الجماع والنهي هنا عن مس القرآن واضح وصريح لقول الله تعالى «لا يمسه إلا المطهرون».
الإثنين يناير 12, 2009 5:06 am