المؤمن الموفق هو الذي لا تسيطر عليه الأنانية التي قد تدفعه إلى ارتكاب حماقات تضر بعلاقته بمن حوله، لذلك تراه لطيف المعشر مع إخوانه حتى ولو كان في نفسه شيء تجاههم، آلف لهم، مألوف لديهم وهو في ذلك يستقي من توجيهات الإسلام التي تحض على مكارم الأخلاق وما يساعده على ذلك.
والإنسان الأناني هو الذي لا يعجبه شيء لئلا يخرج من ذاته فهو يعيش داخل «الأنا» التي توجهه وتسيطر على مشاعره وأفكاره وسلوكياته، إذا رأى نجاحاً لأحد زملائه حقد عليه وتمنى زوال ما به، إذا جلس بجوارك ابتسم إليك ابتسامة عريضة بينما قلبه يغلي غيظاً وحقداً عليك، إذا كنت في نعمة أنعم الله بها عليك حسدك.
قال تعالى: «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله». فالأنانية تولِّد الحسد، والحسد يولِّد البغضاء، والبغضاء تولِّد الاختلاف، والاختلاف يولِّد الفرقة، والفرقة تولِّد الضعف، والضعف يولِّد الذل، والذل يولِّد زوال النعمة.
حكى لي أحد الأصدقاء قال: شاءت الأقدار أن أعمل مع رئيس أناني، يحب ذاته ويحب أن يظهر أمام المسؤولين أنه كل شيء في العمل وأن العمل من دونه يتوقف متجاهلاً في ذلك جهدي وجهد زملائي الذين يسيِّرون دفة العمل، وكأننا غير موجودين، وإذا كانت هناك حوافز مادية فاز بها وحبسها عنّا، ونسي أنه سيأتي يوم وسيُحاسب على ما يفعله وأن أنانيته لن تنفعه.
قال تعالى: «يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى ربه بقلب سليم» (الشعراء 88، 89).
ونقول لهذا الأناني وأمثاله اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، وأحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكرهه لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، واحسن كما تحب أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك ولا تقل ما لتعلم وقل ما تعلم ولا تقل ما لا تحب أن يُقال لك.
رُوي عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ قال: أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله. قال وماذا يا رسول الله؟ قال: وأن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك. (رواه أحمد)
وقد كره المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه الأنانية وكلمة أنا.
رُوي عن جابر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فوقفت بالباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا؟! كأنه كرهها.
ولا شك أننا غافلون عن حساب الأفئدة وعما توارى عن أعين الناس واستخفى في صدورنا مع أن الله سبحانه وتعالى نبهنا إلى ذلك فقال عنه يوم القيامة: وحُصِّل ما في الصدور.
وقال تعالى: يوم تُبلى السرائر.
فمن كان خافياً على الناس في الدنيا سيكون واضحاً على الملأ يوم الحساب.
إنه لموقف صعب، إذا انكشفت أسرار كل منا للآخر ورأى أن من كان يأكل معه على مائدة واحدة كان يضمر له الشر، وأن من انتشله من وهدة الفقر والضياع والحرمان كان يتمنى أن يراه شحاذاً يتكفف الناس.
إن الأنانية كريح الصحراء تجفف كل شيء، وتطمس ينابيع السعادة في دنيا الناس، فالسعادة تُولد من حب الخير للآخرين، ويُولد الشقاء من حب الذات. لذلك يُسمى شريراً كل من لا يعمل إلا لمصلحته فقط، سواء في البيت أو في العمل أو في المدرسة، وما أجمل أن يتخلص الإنسان من أنانيته وحبه لذاته ويعيش بقلب وفكر مفتوحين على الخير وحب الخير وعلى التعاون مع الآخرين.