عام ٧٩٩١ دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر.. واعلنت ان مرض السكري اتخذ شكلا وبائيا بسبب ازدياد وتضخم عدد المصابين به.. كانت نسبة الاصابة به علي مستوي العالم ٠١٪ وفي مصر وصلت إلي ٨٪ من عدد السكان.. وفي هذا العام ٨٠٠٢ ثبتت النسبة عالميا.. وارتفعت عربيا.. مثلا في مصر وصلت النسبة إلي ١١٪ وفي الامارات إلي ٠٢٪.. وشملت هذه الزيادة ازدياد المصابين بالسكري من الاطفال والشباب..! وهو ما يعني ان محاولة القضاء علي المرض وتقليل فرص الاصابة به نجحت عالميا.. وفشلت عربيا.. فلماذا؟!
ما هي أسباب زيادة انتشار المرض.. وكيف يمكننا من تقليل فرص الاصابة به.. وما هو الدعم المطلوب لمرضي السكري للوقاية من المضاعفات التي قد تؤدي إلي الوفاة.. وكيف يمكن زيادة الدعم المطلوب لمريض السكري.. والارتقاء بالمستوي العلاجي له.. والوقاية والجديد في العلاج.. واسئلة كثيرة.. نجيب عنها في التحقيق التالي.
طبقا للاحصائيات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية.. يعتبر مرض السكري السبب الثاني للوفاة علي مستوي العالم.. فالسكري من الامراض الخطيرة التي تزيد من فرص حدوث الوفيات نتيجة لامراض القلب من ٢ إلي ٤ مرات.. وهو السبب الرئيسي لفقدان البصر في البالغين المصابين به.. وايضا الفشل الكلوي وبتر القدمين.. وتتزايد اعداد المصابين به في البلدان العربية بطريقة مخيفة.. ومن المنتظر حدوث زيادة كبيرة تصل إلي ٠٠١٪ من اعداد المصابين به في عام ٠٣٠٢.. فمثلا وصلت النسبة في دول الامارات إلي ٠٢٪ وفي المملكة العربية السعودية والبحرين إلي ٤١٪ وبحلول عام ٥٢٠٢ قد تتعدي نسبة الاصابة ٠٢٪ في هذه البلدان.. اما في مصر والعراق فتتعدي نسبة الاصابة ٠١٪ وبحلول عام ٥٢٠٢ قد تصل إلي ٤١٪.. اما في الجزائر والمغرب فتصل نسبة الاصابة بالمرض إلي ٩٪!!
وطبقا لهذه الاحصائيات وغيرها من الدراسات الحديثة التي تؤكد ان واحدا من كل ٣ اطفال يولدون بعد عام ٠٠٠٢ سوف يصابون بمرضي السكري في المستقبل. ودراسات اخري تذكر ان نصف مرضي السكر لا يعلمون اصابتهم بالمرض ولم يتم تشخيصهم بعد اي انهم خارج الاحصائيات وهم الاكثر عرضة للاصابة بمضاعفات السكر الحادة والمزمنة وطبقا لاعلان وزراء الصحة العرب في اجتماعهم في مارس الماضي بشرم الشيخ تم وضع التصدي لمشكلة داء السكر علي اولويات القضايا الصحية في العالم العربي.. كما قامت الامانة العامة لجامعة الدول العربية اعلان عام ٨٠٠٢ عام البدء في الحملة ضد المرض والوقاية منه.
التعاون العربي
ولهذا بدأت الجمعية العربية لدراسة امراض السكر و الميتابوليزم تحت رعاية الجامعة العربية في حملة للوقاية من مرض السكري ومضاعفاته.. الجمعية انشئت منذ ثلاثة اعوام وترأسها د. إيناس شلتوت أستاذ امراض السكر بطب القصر العيني ويشارك في مجلس ادارتها وعضويتها الكثير من الاطباء الباحثين المتخصصين من مختلف الدول العربية والجامعات والمعاهد العلمية.. وقد قامت الجمعية في مؤتمرها السنوي الثالث الذي عقد مؤخرا بدعوة اكثر من ٠٠٥١ عالم وطبيب متخصص في امراض السكري والميتابوليزم من مختلف الدول الاوروبية والعربية ومن الولايات المتحدة الامريكية.. وعلي مدي ثلاثة ايام اجتمعوا وتشاوروا.. في اكثر من ٠٢ جلسة علمية متخصصة وقد شارك في رعاية المؤتمر وجلساته بالاضافة للجامعة العربية كل من وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.. وقد تناولت الجلسات العلمية الجديد في تشخيص وعلاج المرض وكل ما هو متعلق به من امراض الغدد الصماء والتغذية الاكلينيكية وارتفاع ضغط الدم ومضاعفات السكر علي الكليتين والسمنة ومضاعفاتها وهشاشة العظام وامراض القلب والاوعية الدموية وتصلب الشرايين والقدم السكري وايضا مضاعفات السكري علي الجهاز العصبي.
د. ايناس شلتوت رئيس الجمعية ومعها اكثر من ٠٠٥١ عالم وطبيب دقوا ناقوس الخطر من النتائج والاحصائيات المفجعة لمرضي السكر.. واكدت وتؤكد دائما علي اهمية التعاون العربي في التقليل من الاصابة بالمرض وحماية الاجيال القادمة منه.. فالنسب المستقبلية لحاملي المرض كما تقول تصل إلي اعلي درجات الخطورة.
أسباب الإصابة
> ولكن ما هي الاسباب الرئيسية للإصابة بمرض السكري.. ولماذا تزداد نسبة الاصابة به في الدول العربية عنها في دول العالم المختلفة..؟!
> تقول د. ايناس شلتوت.. الاسباب الرئيسية للاصابة بالمرض نتجت عن زيادة متوسط عمر الانسان.. وزيادة الوزن.. وانتشار السمنة نتيجة للاعتماد علي الوجبات الجاهزة والساندويتشات والبيتزا والمياه الغازية خاصة بين الاطفال والشباب.. وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة.. واستخدام التكنولوجيا الحديثة بصورة خاطئة مثل الجلوس لفترات طويلة امام التليفزيون والكمبيوتر وألعاب الڤيديو چيم.. ومما ساهم علي تفشي المرض وانتشاره ايضا انتشار وسائل المواصلات المريحة التي ساعدت علي قلة المجهود الجسماني المبذول.. كل هذه العوامل ساعدت علي زيادة معدلات الاصابة بالمرض وخاصة بين الشباب والاطفال.. ولهذا لابد من الاستعداد لمواجهته محليا وعربيا سواء بالتشخيص المبكر والعلاج السليم للمرض ومضاعفاته او بطرق الوقاية منه مستقبلا بالبعد عن اسباب الاصابة به بتغيير نمط الحياة والعودة إلي الحياة الصحية القديمة وتشمل الرياضة والمشي اليومي لمدة قليلة.. وتغيير النمط الغذائي الذي استوردناه من الدول الغربية.. فقد عرفت هذه الدول الخطأ الذي وقعت فيه وبدأت حملتها ضد الوجبات الجاهزة خاصة للاطفال ونجحت في ذلك واستطاعت تقليل نسب الاصابة بالسكري خلال السنوات العشر الماضية.
الشباب والأطفال
> عن ازدياد معدل الاصابة بالسكري بين الشباب والاطفال.. يشير د. عباس عرابي استاذ امراض السكر بكلية الطب جامعة الزقازيق ونائب رئيس الجمعية العربية لامراض السكر.. إلي ان شبابنا واطفالنا لا يمارسون الرياضة ووصل الامر ببعض المدارس إلي الغاء حصص الالعاب واستبدالها بحصص المواد العلمية.. اضافة إلي اعتمادهم علي الوجبات الجاهزة وهو الدور الخاطئ الذي تمارسه ربة المنزل التي لا تطبخ في كثير من الاحيان وتستسهل الوجبات الجاهزة او نصف الجاهزة.. وترك الشباب والاطفال للجلوس فترات طويلة امام التليفزيون والكمبيوتر وألعاب الڤيديو چيم..
ويضيف انه لابد ان نشعر بالرعب اذا عرفنا أن واحدا من كل خمسة اطفال مصابون بالسمنة وخلال عمل تحليل مستوي السكر في الدم للشباب والاطفال المصابين بالسمنة نجد ان حوالي ٠٢٪ منهم مصابون بارتفاع في نسبة السكر في الدم.. وهو النوع الثاني من المرض الذي اتخذ شكلا وبائيا في الشباب والاطفال اما النوع الاول فيحدث في البالغين.. واذا عدنا للشباب والاطفال المصابين بالسكر من النوع الثاني نجد ان ٥٨٪ منهم مصابون بالسمنة ولديهم تاريخ وراثي في العائلة ملئ بمرضي السكر.. وغالبا ما تبدأ الاصابة بعد سن العاشرة خاصة مع بداية مرحلة البلوغ وتنتشر في الفتيات اكثر من الاولاد.
ويكمل د. عمرو عبدالوهاب استاذ امراض السكر بطب المنيا وامين عام الجمعية الحديثة فيشير إلي ان خطورة هذا النوع من مرض السكر في الاطفال والشباب هو حدوث الاصابة بالمضاعفات علي الاوعية الدموية في بداية مرحلة الشباب وانتشار المضاعفات علي العين والكلي والقلب والاعصاب مبكرا.
حملة قومية
وللوقاية من هذا الوباء القادم عند الاطفال والشباب وكما يقول د. عمرو عبدالوهاب.. يجب ان تتضافر الجهود والدور المشترك بين الاسرة والمدرسة ووسائل الاعلام المختلفة بتشجيع الاطفال علي الحركة وممارسة الرياض لمدة ٠٣ دقيقة يوميا علي الاقل.
اما الدكتور صلاح ابراهيم رئيس المجموعة المصرية للسكر والاستاذ بطب الازهر.. فيوجه الانظار إلي اهمية وضرورة الاكتشاف المبكر بالتحليل كل ستة اشهر للاطفال المعرضين للاصابة بعمل تحليل السكر الصائم او منحني السكر بداية من سن البلوغ في المراهقين.
وعن اسباب انتشار مرض السكري في السيدات عنه في الرجال يؤكد د. صلاح ابراهيم.. انه يرجع إلي انتشار السمنة في السيدات اكثر من الرجال.
ويعود السبب إلي النمط الاستهلاكي والغذائي الخاطئ الذي يعتمدون فيه علي الدهون والوجبات الجاهزة والعصائر والمياه الغازية وفي الوقت نفسه يقل استخدام الفواكه والخضراوات في التغذية اليومية ومن الاسباب الاخري ايضا لزيادة نسبة المرض في السيدات هو زيادة معدل ومستوي العمر لديهن حيث وصل إلي ٣٧ سنة متوسط اعمارهن اما في الرجال فقد زاد متوسط العمر لديهم إلي ٨٦ سنة نضف سبب آخر وهو زيادة معدل دخل الفرد الذي يستهلكه في الترفيه ما بين سيارة وكمبيوتر وريموت كنترول ووجبات جاهزة..الخ..
مرة اخري نعود للاصابة بالمرض لدي الاطفال والشباب بعد ان اعلنت منظمة الصحة العالمية انه اصبح وباء منتشرا. وبالارقام ٨ ملايين مصري مصابون بالسكر بنسبة ١١٪ تقريبا.. اضافة إلي التداخل بين النوعين الاول الذي كان يحدث بين البالغين والثاني الذي كان يحدث بين الشباب الاطفال النوع الاول يعالج بالانسولين.. والثاني يعالج بالادوية فقط بدون الاعتماد علي الانسولين.. وبعد تداخل النوعين اصبحنا نجد ان الشباب والاطفال وهم الاكثر عرضة للنوع الثاني من السكر اصبحوا يعالجون نسبة كبيرة منهم بالانسولين.. وقد اكدت د. ايناس شلتوت التداخل بين النوعية حدث بسبب المتغيرات الاجتماعية وزيادة اعداد المستخدمين للتكنولوجيا الحديثة.. فارتفعت الزيادة إلي النوع الثاني ٠١ اضعاف خلال عشر سنوات فقط.. ومع التشخيص نجد ان ٠٣ إلي ٠٥٪ من الاطفال والشباب في سن المراهقة مصابون بالسكري وتشير الاحصائيات إلي وجود طفل من كل ثلاثة اطفال عالميا ولد بعد عام ٠٠٠٢ سيصاب بالسكر عند البلوغ.. وان هذه الزيادة احد النتائج الرئيسية لها الاصابة بالسمنة في مرحلة مبكرة.. فعشرين بالمائة منهم عند البلوغ نجدهم مصابين بزيادة في الوزن و ٨٪ منهم لديهم سمنة.. و ٥٢٪ من المصابين بالسمنة لديهم مرحلة ما قبل الاصابة بالسكر وهو ما يعني اصابتهم به مستقبلا.. وهو ما يؤدي إلي فقدان في متوسط العمر بحوالي ٣١ سنة.
الجديد في العلاج
وعن الجديد في علاج مرضي السكري تشير د. ايناس شلتوت انه من المهم التفريق بين النوعين الاول والثاني من الاصابة بالسكر فنبدأ مع الشباب بانقاص الوزن وممارسة الرياضة وقد نلجأ للعلاج الدوائي علي شكل اقراص بدلا من الانسولين.. وقد ظهر مؤخرا ادوية حديثة تعمم خلال العام القادم في شكل اقراص او حقن للتغلب علي التداخل الذي حدث بين النوعين فبعضهما يعالج السكر المرتفع فقط ولا يسبب نوبات من هبوط السكر يعمل علي تظبيطه..
كما يوجد نوع آخر من العلاج حديث جدا يشير إليه البروفيسور د. دومرس استاذ امراض السكري بجامعة توبنجن بألمانيا ورئيس اللجنة العلمية بمؤتمرات الجمعية العربية لدراسة امراض السكر.. وهذا العلاج يكون عن طريق زراعة خلايا البنكرياس.. ولكنها مازالت في طور التجربة ولكن توجد تجارب ناجحة جدا لهذا النوع من العلاج الذي يستلزم وجود اثنين متبرعين حديثي الوفاة تؤخذ خلايا البنكرياس منهما ويتم حقنها في الوريد البابي في الكبد للشخص المصاب بالسكر من النوع الاول الذي يعالج بالانسولين.. وقد نجحت هذه التجارب في اوروبا وامريكا وتوقف المريض عن حقن الانسولين.
كما يشير إلي وجود علاج مستقبلي اكثر قدرة في علاج مرضي السكر وهو عن طريق استخدام الخلايا الجذعية لقدرة هذه الخلايا علي التطور إلي خلايا مفرزة للانسولين.
توصيات الوقاية
واخيرا وليس اخرا.. الجديد في العلاج من الناحية الاكلينيكية باستخدام الانسولين المبكر في العلاج وهو ما اوصت به الجمعيات الامريكية والاوروبية لمرض السكري هذا العام من المصابين بالنوع الثاني.. فتبدأ المرحلة العلاجية الاولي بالاقراص لمدة ٣ شهور فقط فاذا لم يعط هذا العلاج نتائج جيدة يتم استخدام حقن الانسولين في العلاج مبكرا.. واخرا.. لابد ان تشير إلي جهود جامعة الدول العربية وما اوصت به خاصة بعد ان اعلنت عام ٨٠٠٢ بدء الحملة ضد مرض السكري وبعد ان اعلنت منظمة الصحة العالمية وجود ٦ دول عربية ضمن الدول العشر الاوائل علي مستوي العالم الاكثر اصابة بمرض السكري فقد اوصت الأمانة العامة للجامعة كما يقول حاتم الروبي ممثل الامين العام للجامعة العربية في المؤتمر السنوي للجمعية العربية للسكر.. بدعم نشاط الجمعيات المتخصصة التي توجه مجهوداتها إلي كيفية منع الاصابة بالسكري والتقليل من مضاعفاته.. ووضع البرامج الوطنية التي تعمل علي مكافحة انتشار المرض في الدول العربية ورعاية مرضي السكر والعمل علي وقايتهم من مضاعفات هذا المرض الخطير اضافة إلي العمل علي دعم البحث العلمي في مجال الوقاية والعلاج لمرضي السكري.