رحمة الله تعالى وغضبه يرجعان إلى معنى الثواب والعقاب وإلى معنى المنح والمنع فالثواب والمنح رحمة والعقاب والمنع غضب.
قال الله تعالى: (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) فالرحمة هنا جاءت في مقابلة العذاب.
وقال تعالى حكاية عن موقف امرأة إبراهيم مع الملائكة حين بشروها بالولد وهى عجوز: (قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد).
فالرحمة هنا بمعنى النعم والآلاء التي امتن الله بها على آل إبراهيم وجاء الغضب بمعنى العقاب في قوله تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى).
فمما لا ريب فيه أن نعم الله على الإنسان لا تعد ولا تحصى فالله خلق الإنسان وسواه وتولى شؤونه حيث لا يراه أحد في رحم الأم ويسر له أسباب معاشه بما منحه من طعام وماء ومأوى وما هيأ له من أرض وسماء وما أحاط به من فضاء وهواء.
ولم يترك المولى سبحانه الإنسان سدى بل بعث إليه الرسل وأنزل الكتب هداية ورحمة قال الله تعالى: (الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار) صدق الله العظيم.
وفى مجال الثواب والعقاب نجد أن ميزان الثواب قائم على الفضل الإلهي وأن ميزان العقاب قائم على العدل الإلهي وفى تعبير عن هذا المعنى جاء الحديث الشريف الذي رواه مسلم «يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطايا لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة».
إن هذا الحديث القدسي الشريف: «سبقت رحمتي غضبي» يدفع المسلم دفعاً إلى أن يتراحم ويتعاون ويتفقد أحوال أخيه المسلم إن كان في حاجة قضاها له وإن كان في شدة واساه وإن كان مريضاً عاده وإن كان محتاجاً أعطاه.
والرحمة التي يريدها الإسلام رحمة عامة تشمل رحمة الأم بوليدها ورحمة الرجل أهله ورحمة الإنسان بالإنسان بل ورحمة الإنسان بالحيوان تحقيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» .
وهذه الرحمة العامة لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من رحمة الله بعباده فالله هو الرحمن الرحيم وقال صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الرحمة مئة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».