هي فتاة من أسرة ميسورة الحال.. مات والدها وهي في سن السادسة غريقا، فامتلكت مصنعا كبيرا في وطنها الاول بلجيكا.. وعندما بلغت سن السادسة والعشرين تقدم إليها العرسان لجمالها وثرائها واخلاقها، لكنها اتخذت قرارها بأن تترك الدنيا وملذاتها وتكرس حياتها لخدمة الفقراء في أي مكان في العالم، ومن أي دين، ومن أي لون.. وكانت البداية في تركيا حيث قامت بتدريس اللغة الفرنسية لابناء الطبقة المتوسطة، اصطحبت تلميذاتها إلي المناطق الفقيرة لاجراء الابحاث والدراسات الاجتماعية.. ثم اتجهت إلي فرنسا حيث قامت بنفس الرسالة، فمنحتها أرفع الاوسمة عام ٢٠٠٢.
وفي عام ١٧ جاءت إلي مصر، اختارت بعد بحث طويل العيش مع جامعي القمامة عند سفح المقطم.. وجدت ضالتها في هذا المكان والذي تعاطفت مع سكانه وسط الرائحة الكريهة، والجهل والمرض، والتناسل بلا حساب! والاقامة في عشش الصفيح.. وفكرت في وسيلة لانتشال هذه الفئة من الدمار الاجتماعي، اتجهت إلي رؤساء الدول وطلبت مقابلتهم، وجمعت منهم الاموال وخصصت جانبا منها لفقراء السودان والسنغال وهايتي وبوركينا فاسو والبرازيل وفي مصر كان الجهد الاكبر وتركزت اولي خطواتها في بناء المدارس والمستوصفات، وقادت الحملات لتنظيف الشوارع وازالة العشش واستبدالها ببيوت تصلح للسكن وعندما تقدمت بها السن وبلغت الخامسة والثمانين كتبت وصيتها مطالبة بأن تدفن في ارض مصر، كانت تتكلم العربي »المكسر« وألفت مجموعة من الكتب من بينها غني الفقراء، واسرار الحياة وساعدها نجم الكرة الفرنسي الجزائري الاصل زين الدين زيدان علي اصدار مجلة كاريكاتورية هدفها بث روح المحبة والعطاء ومساعدة المحتاج وفي عام ١٩٩١ منحها الرئيس حسني مبارك الجنسية المصرية تكريما لعطائها المتدفق لفقراء مصر والعالم، ورعاية المحتاجين الاشد عوزا، والتحول الذي احدثته في حي الزبالين.
ولما اشتد بها المرض كتبت اسطوانة طلبت اذاعتها بعد وفاتها قالت فيها:
حين تسمعونني لن اكون موجودة، لكنني اشهد ان الحب اقوي من الموت، ولن تتوقف الحياة ابدا بالنسبة لمن يعرفون الحب.. ويوم ٠٢ أكتوبر الماضي كان الوداع الاخير قالت الراهبة ايمانويل »مادلين سافكان« لرئيسة الدير انا متعبة وماتت وتقديرا لدورها شاركت السيدة الفاضلة سوزان مبارك زعماء العالم في تشييع جنازتها، ورحلت بعد ان ربت اجيالا تعلمت المعني الحقيقي للمحبة والعطاء.
بقلم : جلال دويدار