أوحى الله إلى نبيه داود عليه السلام »وعزتي ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السموات والأرض بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أساب السماء بين يديه وأرسخت الهوى تحت قدميه، وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، ومستجيب له قبل أن يدعوني، وغافر له قبل أن يستغفرني« رواه تمام وابن عساكر والديلمي. هذا الحديث دعوة صريحة إلى حسن التوكل على الله عز وجل، وشدّة الاعتماد عليه سبحانه وتعالى دون غيره، ومن وثق بالله وأحسن الاعتماد عليه، وصدق في تفويض الأمور إليه، جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم وغم فرجا، لأن الله تعالى يقول: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا). ويقول (ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا). ويقدم سبحانه وتعالى بين يدي هذا الإخبار، يقدم القسم بعزته جل وعلا فيقول: وعزّتي« أي أقسم بصفة من صفات العظمة والجلال التي تفردت بها وهي صفة العزة التي تدل على القهر والجبروت اللذين لا ينبغي أن يتصف بهما أحد غيري،ما من عبد من عبادي يحتمي بي، ويلجأ إليّ ويحسن التوكل على صادقا في هذا كله. ليس متظاهراً ولا مرائيا، لأن النفاق إن خفي على الناس فلن يخفى عليّ لأنني أنا المطلع على السرائر والخبير بالنوايا والضمائر، فإذا عرفت صدق نيته حفظته من كيد الكائدين، وتدبير المدبرين، حتى ولو كاد له أهل السموات السبع والأرضين السبع، وأروادو أن يصيبوه بمكروه فلن يصل اليه من تدبيرهم أو كيدهم شيء يضره، لأن الله عاصمة من مكرهم وحافظه من كيدهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول لابن عباس رضي الله عنهما: »واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف«. هذا شأن من يعتمدون على الله. ويتوكلون عليه دون سواه. أما الذين يعتصمون بغير الله ويكلون أمورهم لمخلوق سواه، فقد أخبر الله تعالى نبيه سيدنا داوود عليه السلام، بأن هؤلاء ومن على شاكلتهم، يكلهم الله لأنفسهم، ويطردهم من رحمته ويقطع أسباب الصلة بينهم وبينه وياله من بلاء شديد، وهم عظيم، وشر مستطير، يدرك هؤلاء المبتعدين عن الله عز وجل، فياليت قومي يعلمون. وقد حكى لنا القرآن الكريم نماذج من هؤلاء الخاسرين. مثل ابن سيدنا نوح عليه السلام الذي قال: »سآوي إلى جبل يعصمني من الماء» فكان جواب أبيه له: «لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. وحال بينهما الموج فكان من المغرقين» ولم تنفعه شفاعة أبيه بين يدي ربه حتى وإن كان نبياً رسولاً. لأن أسباب الصلة بينه وبين ربه منقطعة، ومن كان كذلك لا تنفعه شفاعة الشافعين، لأن أرض العقيدة التي كانوا يعيشون عليها لم تكن ثابتة وإنما كانت هاوية حتى استقرت في القاع.
الشيخ عبدالعليم أبو ليلة