يقول الذين زاروا العاصمة المصرية القاهرة في رمضان:" إن من لم يزرها خلال هذا الشهر، فاته نصف عمره"، ويكفي التذكير بأن مصر معروفة ببلد الألف مئذنة، فيما تحتضن القاهرة جامع الأزهر الذي احتفل قبل سنوات عدة بمرور ألف عام على إنشائه.
الاستعدادات لاستقبال الشهر الكريم تبدأ قبل رمضان بشهر تقريباً، حين يبدأ أصحاب المحال التجارية بتجهيز محلاتهم لاستقبال الزبائن، فيستخرجون تصاريح خاصة لإقامة ( صوان) يشبه الخيمة حول المحل لتوضع به السلع الرمضانية وأهمها ياميش رمضان ( مكسرات، بلح، المشمش والبرقوق والتين المجفف، أراسيا وقمر الدين).
أما التجارة الموسمية الرائجة التي تواكب شهر الخير، فهي فانوس رمضان، وله قصة تقول إن المعز لدين الله الفاطمي افتتح القاهرة في رمضان ووصل إليها ليلاً، فخرج القائد جوهر الصقلي إلى استقباله بالفوانيس ليضيء له الطريق، ومنذ ذلك الزمن ارتبط الفانوس في مصر برمضان، لا بل لا يوجد طفل في مصر لا يشتري فانوساً في رمضان يشارك به أترابه في أغنية "وحوي يا وحوي" تصدح بها حناجرهم في أحياء القاهرة بعد الإفطار.
في رمضان القاهرة، ظاهرة لافتة تتمثل في ارتفاع أسعار التليفزيونات، إذ إن مشاهدة المسلسلات والفوازير قاعدة شعبية لا يخرج عنها مصري، انطلاقاً من رصد أغنية (رمضان جانا) التي ما أن يذيعها التليفزيون المصري إعلاناً عن رؤية هلال رمضان، حتى تشهد محلات بيع الفول المدمس ومحلات الألبان إقبالاً لا نظير له استعدادا لوجبة السحور.
المساجد كاملة العدد في رمضان وكذلك المقاهي بعد الإفطار، أما الأجواء الرمضانية في مصر فيمكن للمرء أن يعيشها كاملة حتى آذان الفجر في حي الحسين وفيه مسجد وضريح الأمام الحسين بن علي حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم. وعلى رغم أن مصر تعيش أزمة اقتصادية منذ عقود، إلا أن هذا الشهر له بركات خاصة يؤكدها أصحاب الدخل المنخفض، فهم على رغم ظروفهم يقيمون الولائم للأهل والأصحاب والجيران والأصدقاء ويكون الكرم صفة غالبة، فيما اليوم الأول من رمضان هو يوم الإفطار الجماعي في بيت كبير العائلة، أما المقتدرون مالياً، فيقيمون أمام منازلهم ومحلاتهم موائد الرحمن التي تنتشر في مصر بشكل كبير كعنوان للتكافل الاجتماعي، كما يحرص المسيحيون الذين يشكلون نحو 10% من الشعب المصري على مشاركة المسلمين مظاهر الشهر الكريم، فلا يفطرون أمامهم، لا بل يشاركونهم في إفطارهم ومنهم من يقيم الولائم لمعارفه من المسلمين في وجبة الإفطار الرمضاني.