دموع.. بلا عيون

زائر

كلفت ذات يوم بتغطية أخبار المتفوقين في الثانوية العامة، كان للنجاح في الثانوية طعم ولون، تقام الحفلات والمهرجانات، على وقع أنغام أغينة عبد الحليم «وحياة قلبي وأفراحه وهناه في مساه وصباحه، دا مفيش فرحان في الدنيا زي الفرحان بنجاحه».

ورد اسم ديانا الأولى على الدولة، حملت سماعة الهاتف، لأزف البشرى، جرس الهاتف يرن وما من أحد يجيب، قبل أن أغلقه سمعت صوتاً خافتاً كأنه من بئر عميقة، سألت عن ديانا، فجاء الرد أنها غير موجودة، أنا أمها، قلت لها مبروك ديانا حصلت على المركز الأول.

سكتت وكأن صمتها دهر، سمعت نهنهة وشهقات، أحسست بدموع تنساب من أسلاك الهاتف، عللت ذلك بصدمة الفرحة، أضافت: جاء التفوق متأخراً، ديانا تصارع المرض، قشعريرة تنتاب جسدي أحاول أن أهدئ من روعها، خرجت أسابق الزمن، شعرت بأن المسافة تطول والمصعد بطيء، سألتني الممرضة عن سبب الزيارة، قلت لها ديانا الأولى في الثانوية العامة .

ونريد أن نجري معها مقابلة، أجهشت بالبكاء، ضربت يدها على خدها كفكفت دموعا انهمرت، مشيت خلفها خطوات وكأنها مئات الكيلومترات، بهدوء فتحت باب غرفتها، كانت تغط في نوم عميق، كأنها ملاك تدثر بملابس المشفى البيضاء، فتحت جفنيها وعلى شفتيها ابتسامة خجولة، اتسعت الابتسامة وتورد الخدان واتسعت حدقتا العينين عندما قلت لها مبروك حصولك المركز الأول، قفزت من سريرها كأنها لم تصدق ما سمعت: ماذا تقول أعدت الكلام ثانية وشفتاي تتمتمان وقدماي ترتجفان، رفعت ذارعيها كأنهما جناحي نسر يحلق عالياً، الحمد والشكر لك يا رب، قلت لها ما هو مرضك ..؟

صمتت، زاغت عيناها، شاحت بوجهها يميناً ويساراً وهي تحاول ترتيب خصلات شعرها تحت حجابها، رفعت رأسها وقالت: السرطان، اليوم كسبت معه الجولة الأولى، سقط القلم من يدي، تسارعت نبضات قلبي مثلما تسارعت دموع لم يسبق أن رآها أحد في مقلتي، اتكأت على طرف السرير أداري ملامح حزني وحاولت أن تخفف عني ألم الصدمة و تقول ارفع رأسك يا أستاذ «لا يأس مع الصبر، سوف أتغلب على السرطان وأحقق حلمي في موكب المتفوقين، اكتب عندك: أهدي تفوقي إلى وطني وأمي وأبي وكل أحبتي والصابرين الذين لا يقنطون من رحمة الله.

وأرغب بدراسة الإدارة والاقتصاد، وتدخل الفريق الطبي خوفاً من حدوث تداعيات بسبب الانفعال، خرجت من غرفتها أجر خطوات متثاقلة، رفعت يداها شاكرة نقلي بشرى تفوقها ووعدتني بحفل كبير بعد خروجها من المشفى، وكتبت خبراً «ديانا أميرة التفوق تصارع السرطان» في اليوم التالي، رن جرس هاتفي .

وعلى الطرف الثاني شخص قال إنه يمثل شخصية مرموقة في الدولة، قرأ الخبر وأعطى التوجيهات بعلاج ديانا خارج الدولة وقبولها في منحة دراسية في جامعة مرموقة، في اليوم التالي نقلتها طائرة لاستكمال علاجها من على سريرها لوحت لي بيدها والبسمة تعلو شفتيها وكلل ضياء غريب وجنتيها، غابت وسط زحام المودعين، وما أن وصلت المشفى اتصلت بي فرحة والأمل يحدوها وأغلقت الهاتف على أمل اتصال جديد.

وفي صبيحة اليوم الرابع لسفرها صحوت من نومي وحالة غريبة تنتابني، اتصلت بها، لم يرد أحد، عاودت الاتصال ثانية، ازداد قلقي وتوتري، جلست أستعيد بعضاً من بقايا صور تلح على خاطري وذاكرتي، عاودت الاتصال وفتح الخط فكانت والدتها، سألتها عن أخبار ديانا، سمعت صوتاً تتكسر فيه الآهات والحسرات وبالكاد سمعتها تقول، رحلت ديانا للقاء وجه ربها مع الخالدين، سقطت سماعة الهاتف، داريت دمعة سقطت غصباً عني .

وكأن عيني تعتذران مني لعدم قدرتها على الصمود وكسب الجولة الثانية فكانت الأخيرة، صرع السرطان ديانا أميرة التفوق. أكد لي أهل بلدتها أنهم شاهدوا بعد فترة من وفاتها خلية نحل على ضريحها ينساب منها عسل فيه شفاء للناس.!!!؟