على الرغم من أن جملة "تعجز الكلمات" أصبحت مملة ومستهلكة نوعاً ما، إلا أنني لم أجد غيرها، حيث إن الكلمات تعجز أحياناً فعلاً عن وصف وقاحة بعض الناس في التصرف مع الآخرين.
قبل بضعة أيام توفي شاب في سن البراعم "قبل سن الزهور" بسبب أن عبقرية صاحب محل الدراجات تفتّق له وضع محله في منطقة حفريات خطرة، على رغم تحذير المقاول والدوائر الأخرى له، ولما طاحت الفأس بالرأس، وجيء به على رؤوس الأشهاد، حاول الضابط المناوب تلطيف الجو، فأشار إلى أهل الفقيد مخاطباً صاحب المحل وقال له هؤلاء هم أهل المتوفي لعله يواسي بكلمة أو يتعّب لسانه بقوله: "عظّم الله أجركم"، إلا أنه التفت إلى الضابط نابحاً: "وما شأني، لمَ تقول لي هذا".
والمشكلة الرئيسة هي عدم وجود قوانين تجرّم الوقاحة أو قلة الأصل، فعندما يقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – لجنازة يهودي وهو في حال حرب معهم لم يكن يقصد هذا أو ذاك بوقوفه، ولكنها هيبة الموت واحترامه.
الحر أو ابن الأصل يعلم أن تصرفاته محسوبة، ليست فقط عليه، ولكن على أهله وجيرانه وعشيرته وجنسيته وطائفته، لذا فهو يحاول أن يكون دائماً سفيراً لهم، ولهذا لم يفهم الكثير من الحمقى حكمة هند بنت عتبة عندما بايعت الرسول وطالبت النساء بمعاهدته على عدم الزنى، فسألته متعجبة: "أو تزني الحرة يا رسول الله؟"
عندما تكون هناك مجموعة كبيرة من الشباب تتابع حدثاً أولمبياً رياضياً في أحد المقاهي، ويأتي زبون يغيّر قناة التلفزيون على نور ومهند من دون حتى أن ينظر إليهم أو يقول عفواُ، فكيف يمكنك إقناعي بأنه رأى أباه ذات يوم يقدم طعاماً لضيوف …
وفي عدم نظر هؤلاء الوقحين إليك إشارة مهمة، فلدى إخواننا الآسيويين سياسة رائعة في أثناء القيادة، فإذا لفّ عليك وكاد يتسبب بمصرعك ومن حولك وأخذت تستخدم المنبّه على أعلى صوت لكي تجعله يلتفت إليك، فتشير له بأصابعك ولسانك ويديك وكل ما يمكنه أن يراه من أعضائك، تكتشف فجأة بأن زجاج سيارته عازل للصوت تماماً، أو أنك لسوء الحظ ابتليت بأطرش، ولكن الحقيقة هي تعمّده ذلك لأنه ليس لديه ما يقوله، فهذا اعتراف ضمني منه بأنه مخطئ.
التفسير الآخر لقلة الأصل في تلك التصرفات، هي المقولة الرائعة التي تكتب بماء الذهب لعمر بن الخطاب فيمن يتملّكه غروره ولا يهمه تصرفه تجاه الآخرين، عندما قال: "ما وجد أحد في نفسه كبراً إلا من مهانة يجدها في نفسه".