برامج الفتاوى الدينية لها حضور مميز على الفضائيات العربية طوال رمضان، ولذا تحرص الفضائيات على استضافة مشايخ دين، لمناقشة مواضيع رمضانية وللرد على تساؤلات المشاهدين حول المسائل الغامضة عليهم.
الغريب أن معظم هذه النوعية من البرامج لم تعد تفيد المشاهدين بشيء، فالأسئلة المطروحة غالباً مكرّرة وتافهة ومعروفة أجوبتها، بل محفوظة لدى طلاب المدارس، إن لم نقل المختلين عقلياً. ولكثرة تفاهة الأسئلة التي يوجّهها بعض المشاهدين، استكثرت بعض القنوات استضافة مفتٍ له باع طويل في الإفتاء، فالأسئلة هذه من الممكن أن يجيب عليها طالب ثانوية عامة متوسط المستوى. أقول ذلك ليس من باب السخرية، بل لكوني تابعت العديد من برامج الفتاوى على مختلف الفضائيات وشبعت ضحكاًً من الأسئلة المعيبة.
أحد المشاهدين اتصل ببرنامج من هذه النوعية، وسأل: "يا شيخ، ما حكم بلع الرّيق أثناء الصوم؟" لم يكتف بهذا؛ بل أراد أن يقزّز المشاهدين بسؤاله الثاني: "وماذا عن بلع البلغم؟" متصل آخر شكر القناة على برنامجها الراقي وسأل: "يا مولانا، أنا أصوم ولا أصلي، فهل أحصل على ثواب الصوم إذا تجاهلت الصلاة؟"
متصلة أخرى شعرت من صوتها أنها في الثلاثين أو الأربعين من العمر، سألت: "يا شيخ؛ فاجأتني العادة الشهرية - كرم الله السامعين - قبل أذان المغرب بخمسين ثانية، لكني أكملت الصوم، هل صومي صحيح؟" طلب منها الشيخ في إجابته إعادة اليوم بأكمله، قالت "أف" وأغلقت الخط.
حاولت الهروب من تفاهة هذه الأسئلة إلى برنامج آخر يطرح مشاهدوه أسئلة جادة ومعقولة، فسمعت في البرنامج الآخر طالباً يسأل: "أطال الله عمرك سماحة الشيخ، أنا طالب عندي امتحان مهم في الغد، هل مسموح لي أن أفطر؟" انتظرت سماع المتصل الثاني لأعرف سؤاله لكنه كان أتفه من سابقه، قال: "يا شيخ، كنت أتسحّر مع الأهل، وفاجأنا أذان الفجر، لكننا أكملنا الوجبة حتى نهاية الأذان، هل صومنا صحيح؟"
مسكت الريموت كونترول لأغلق التلفزيون، وفي هذه اللحظة سمعت متصلاً يسأل: "أمدّ الله في عمرك يا شيخ، يا مولانا، تربطني علاقة حب بصديقةٍ منذ ثلاث سنوات وأنا لا أطيق فراقها، ما حكم المكالمات الهاتفية التي تدور بيننا في نهار رمضان؟" أغلقت التلفزيون بعد هذا السؤال، ومن يومها قررت عدم متابعة أي برنامج من هذا النوع.