وسيمٌ للغاية، وروحه نقية وشفافة كمياه الواحات، وأيضاً هو جنتلمان في كل ما يتعلق ببناته، وجزء منها صرامته. يبدأ نومه في العاشرة مساءً ويستيقظ في الخامسة فجراً.. وفي ذلك الموعد تبدأ مأساتي، فأنا بمقدوري أن أعيش في الغوانتنامو أيضاً، ولكن بشرط ألا يوقظوني قبل الثانية عشرة ظهراً، ولذلك فإن نظام والدي الصارم يجعلني أكثر تعاسة من العيش في الغوانتنامو، ولم أجرّب الأخير على أي حال.
ذات ليلة قررتُ ألا أكون تعيسة، وفي الليلة نفسها قرّر والدي المجيء إلى غرفتي في الحادية عشرة ليلاً للاطمئنان علي، ومازلت أتساءل إلى يومي أي شيطان دعاه إلى فعل ذلك؟ حسناً، أياً كان ذلك الشيطان فهو لم يقدر على النيل مني، لأنني كنت قادرة على الشعور بحفيف نعليه في الممر، وقبل أن يصل إلى مقبض الباب كنت قد طرتُ إلى فراشي، وبسرعة أطفأت الضوء وبيدي الثانية ضغطتُ على زر الـ "pause" لاُخرس صوت المسجل الفاضح.
وهكذا حينما أدخل والدي رأسه بهدوء، وجد كل شيء على ما يرام، فأنا نائمة كالملاك البريء، ويداي مرمية بإهمال فوق المسجل الموضوع على جنبي، وسبّابتي لاتزال تضغط على الـ "pause" والتي ظلت تضغط عليه بقوة بالغة، لكيلا يتجرّأ المسجل على التفوّه بشيء.
وخلال لحظات كان والدي قد تراجع إلى الخلف، وبدأ يغلق الباب وراءه بالهدوء نفسه لكيلا يوقظ ابنته النائمة، وفي اللحظة التي همّ فيها بإغلاق الباب، ارتخت سبّابتي وانزلقت لسبب بغيض من الـ "pause" لينطلق صوت مغني الروك صارخاً بشعاً فاضحاً في أرجاء غرفة نومي، الأمر الذي جعله يتجمّد لبرهة قبل أن يستوعب فعلاً ما يجري، ولقد ظل الغناء يتبجّح في غرفتي بوقاحة، ولم أزل رغم أنف المغني أتظاهر بالنوم التعيس.
لم يكن لدي خيار آخر غير مواصلة التظاهر بالنوم، فقد كنت مدركة تماماً ما ينتظرني إن استيقظت، وتلك كانت المرّة الوحيدة التي أرغب فيها أن أقفز فوق المسجل مئة قفزة بعد مغادرة والدي بصمت، مؤجلاً العقاب إلى وقت لاحق.
وبعد مرور ثلاثة أيام، كنت لا أزال أنتظر عقابي، بينما يتظاهر والدي بأنه نسي الأمر أو تناساه بحسه الأبوي الذي جعله يدرك بأن ابنته المسكينة تلقّت صفعة قاسية على يدها التي كانت تضغط على الـ "pause".