إلغاء الخلافة الإسلامية
وبعد انتصارات مصطفى كمال انتخبته الجمعية الوطنية الكبرى رئيسًا شرعيًا للحكومة، فأرسل مبعوثه "عصمت باشا" إلى بريطانيا (1340هـ = 1921م) لمفاوضة الإنجليز على استقلال تركيا، فوضع اللورد كيرزون – وزير خارجية بريطانيا – شروطه على هذا الاستقلال وهي: أن تقطع تركيا صلتها بالعالم الإسلامي، وأن تلغي الخلافة الإسلامية، وأن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة، وأن تختار تركيا لها دستورا مدنيًا بدلاً من الدستور العثماني المستمدة أحكامه من الشريعة الإسلامية.
نفذ أتاتورك ما أملته عليه بريطانيا، واختارت تركيا دستور سويسرا المدني، وفي (ربيع أول 1341هـ = نوفمبر 1922م) نجح في إلغاء السلطنة، وفصلها عن الخلافة، وبذلك لم يعد الخليفة يتمتع بسلطات دنيوية أو روحية، وفرض أتاتورك آرائه بالإرهاب رغم المعارضة العلنية له، فنشر أجواء من الرعب والاضطهاد لمعارضيه، واستغل أزمة وزارية أسندت خلالها الجمعية الوطنية له تشكيل حكومة، فاستغل ذلك وجعل نفسه أول رئيس للجمهورية التركية في (18ربيع أول 1342هـ = 29 أكتوبر 1923م) وأصبح سيد الموقف في البلاد.
وفي (27 رجب 1342هـ = 3 مارس 1924م) ألغى مصطفى كمال الملقب بأتاتورك الخلافة العثمانية، وطرد الخليفة وأسرته من البلاد، وألغى وزارتي الأوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، وأعلن أن تركيا دولة علمانية، وأغلق كثيرًا من المساجد، وحوّل مسجد آيا صوفيا الشهير إلى كنيسة، وجعل الأذان باللغة التركية، واستخدم الأبجدية اللاتينية في كتابة اللغة التركية بدلاً من الأبجدية العربية.
وكانت هذه الإجراءات المتتابعة منذ إسقاط الخلافة تهدف إلى قطع صلة تركيا بالعالم الإسلامي بل وصلتها بالإسلام، ولم يقبل المسلمون قرار أتاتورك بإلغاء الخلافة؛ حيث قامت المظاهرات العنيفة التي تنادي ببقاء هذا الرباط الروحي بين المسلمين، لكن دون جدوى.
حاول "حسين بن علي" حاكم الحجاز تنصيب نفسه خليفة للمسلمين، لكن الإنجليز حبسوه في قبرص، كما عمل الإنجليز على فض مؤتمر الخلافة بالقاهرة، وإلغاء جمعية الخلافة بالهند.. وهكذا نجحت أحقاد الغرب في إلغاء الخلافة الإسلامية التي لم تنقطع منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم).